جماعة الصادعون بالحق
567 subscribers
970 photos
379 videos
9 files
2.09K links
القناة الرسمية لجماعة الصادعون بالحق
Download Telegram
وصية الله {1}

يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]

إن الله قبل أن يوصي الناس أية وصية أوصاهم ألا يُشركوا به شيئاً. إنها القاعدة التي يرتبط على أساسها الفرد بالله على بصيرة، وترتبط بها الجماعة بالمعيار الثابت الذي ترجع إليه كافة الروابط والقيم الأساسية التي تحكُم الحياة البشرية، فلا تظل نهباً لريح الشهوات والنزوات واصطلاحات البشر التي تتراوح مع الشهوات والنزوات. إنها القاعدة التي يقوم عليها بناء العقيدة، وترجع إليها التكاليف والفرائض، وتُستمَد منها الحقوق والواجبات، القاعدة التي يجب أن تقوم أولاً قبل الدخول في الأوامر والنواهي، وقبل الدخول في التكاليف والفرائض، وقبل الدخول في النظم والأوضاع، وقبل الدخول في الشرائع والأحكام. يجب ابتداء أن يعترف الناس بربوبية الله عز وجل مع اعترافهم بألوهيته، يعترفون له وحده بأنه المُتصرّف في شؤون هذا الكون في عالم الأسباب والأقدار، ويعترفون له وحده بأنه المتصرّف في حسابهم وجزائهم يوم الدين، ويعترفون له وحده بأنه هو المتصرّف في شؤون العباد في عالم الحُكم والشريعة كُلها سواء.

إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء، ونحنُ نحتاج إلى التذكير المستمر بهذه الحقيقة لأن جهود الشياطين في زحزحة هذا الدين عن مُقوماته الأساسية قد آتت ثمارها مع الأسف فجعلت مسألة الحاكمية تتزحزح عن مكان العقيدة وتنفصل في الحس عن أصلها الاعتقادي! ومن ثم تجد حتى الغيورين على الإسلام يتحدثون لتصحيح شعيرة تعبُدية أو لاستنكار انحلال أخلاقي أو لمخالفة من المخالفات القانونية، ولكنهم لا يتحدثون عن أصل الحاكمية وموقعها من العقيدة الإسلامية! يستنكرون المنكرات الجانبية الفرعية ولا يستنكرون المنكر الأكبر وهو قيام الحياة على غير التوحيد؛ أي على غير إفراد الله سُبحانه بالحاكمية.
وصية الله {2}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء؛ فلقد كَمُل هذا الدين وتمت به نعمة الله على المسلمين ورضيه الله منهج حياة للناس أجمعين، ولم يعُد هُنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله ولا لترك شيء من حُكمه إلى حُكم آخر ولا لشيء من شريعته إلى شريعة أخرى، وقد علم الله حين رضيه للناس أنه يسع الناس جميعاً وعلم الله حين رضيه مرجعاً أخيراً أنه يُحقق الخير للناس جميعاً وأنه يسع حياة الناس جميعاً إلى يوم الدين، وأي تعدّيل في المنهج -دَعك من العدول عنه- هو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة يُخرج صاحبه من هذا الدين، ولو قال باللسان ألف مرة إنه من المسلمين! وماذا يكون الكُفر إن لم يكُن هو هذا وذاك؟ وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان والعمل -وهو أقوى تعبيراً من الكلام- ينطق بالكُفر أفصَح من اللسان؟


ما الذي يستطيع أن يقوله من يُنحي شريعة الله عن حُكم الحياة ويستبدل بها شريعة الجاهلية وحُكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى لشعب من الشعوب أو جيل من أجيال البشر فوق حُكم الله وفوق شريعة الله؟


لا بُد أن يستيقن الناس أن الله مُحاسبهم على أساس شريعته هو لا شريعة العباد، وأنهم إن لم يُنظموا حياتهم ويُقيموا مُعاملاتهم كما يُقيمون شعائرهم وعباداتهم وِفق شريعة الله في الدُنيا، فإن هذا سيكون أول ما يُحاسبون عليه بين يدي الله، وإنهم يومئذ سيُحاسبون على أنهم لم يتخذوا الله سُبحانه إلهاً في الأرض ولكنهم اتخذوا من دونه أرباباً مُتفرّقة، وأنهم مُحاسبون على الكُفر بألوهية الله أو الشرك بالله -باتباعهم شريعته في جانب العبادات والشعائر واتباعهم شريعة غيره في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وفي المعاملات والارتباطات- والله لا يغفُر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فهو وحده سُبحانه يحكُم وهو وحده يُحاسب، وهو لا يبطئ في الحكم ولا يُهمل في الجزاء (أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).
2
وصية الله {3}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء، فإن إعلان ألوهية الله للعالمين لا يجتمع مع خضوع أحد من العالمين لغير الله، ولا يجتمع مع حاكمية أحد بشريعة من عنده للناس. والذين يظنون أنهم مُسلمون بينما هُم خاضعون لشريعة من صُنع البشر -أي لألوهية غير ألوهية الله- واهمون!


إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت تعرض الإسلام في صورته النهائية الأخيرة ليكون دين البشرية كُلها، ولتكون شريعته هي شريعة الناس جميعاً، ولتُهيمن على كل ما كان قبلها لتكون هي المرجع النهائي ولتُقيم منهج الله للحياة البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.


لقد خلق الله الناس ليكونوا أحراراً لا يدينون بالعبودية لأحد من خلقه، ولا ينزلون عن حريتهم هذه لطاغية ولا رئيس ولا زعيم، فهذا مناط تكريمهم، فإن لم يصونوه فلا كرامة لهم عند الله ولا نجاة. وما يُمكن لجماعة من البشر أن تدّعي الكرامة وتدّعي الإنسانية وهي تدين لغير الله من عِبادِه، والذين يَقبلون الدينونة لألوهية العبيد ليسوا بمعذورين أن يكونوا مغلوبين على أمرهم، فهُم كثرة والمتجبرون قلة، ولو أرادوا التحرُر لضحوا في سبيله ببعض ما يُضحّون مُرغمين للأرباب المتسلّطين من ضرائب الذل في النفس والعرض والمال.
1🔥1
وصية الله {4}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء، فإن قضية الربوبية -حقيقة- لم تكُن محل إنكار جدّي من المشركين، فقد كانوا يعترفون بأن الله سُبحانه هو الخالق الرازق المحيي المميت المدّبر المتصرف القادر على كل شيء، ولكن هذا الاعتراف لم تكُن تتبعُهُ مُقتضياته، فمن مُقتضى هذا الاعتراف بربوبية الله على هذا المستوى أن تكون الألوهية له وحده في حياتهم، فالعبادة هي العبودية وهي الدينونة وهي الاتباع والطاعة مع إفراد الله سُبحانه بهذه الخصائص كُلها، لأنها من مُقتضيات الاعتراف بربوبيته (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). لا يقوم شيء إلا بالله تعالى، ولا يقوم على الخلائق إلا الله تعالى، ومن ثم يكون الدين والإيمان الذي يقبله الله من عباده هو الإسلام، وهو في هذه الحالة الاستسلام المطلق للقوامة الإلهية والتلقي من هذا المصدر وحده في كل شؤون الحياة والتحاكم إلى كتاب الله المنزّل من هذا المصدر.


"لا إله إلا الله" هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كُلها، فمن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله، ولا يلتزم الإنسان بطاعة إلا طاعة الله وما يأمُره به من الطاعات، ومن هذا التصور تنشأ قاعدة الحاكمية لله وحده فيكون الله وحده هو المشرّع للعباد، ويجيء تشرّيع البشر مُستمَداً من شريعة الله، ومن هذا التصور تنشأ قاعدة تلقي القيم كلها من الله، فلا اعتبار لقيمة من قيم الحياة كُلها إذا لم تُقبل في ميزان الله، ولا شرعية لوضع أو تقليد أو تنظيم يُخالف منهج الله، وهكذا إلى آخر ما ينبثق عن معنى الوحدانية من مشاعر في الضمير أو مناهج لحياة الناس في الأرض على السواء.
2
وصية الله {5}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء، فإن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت إلى الدينونة لله وحده -مهما عظُمت وشقت- أقل وأهون من تكاليف العبودية للطواغيت، إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة مهما لاح فيها من السلامة والأمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق.


إنها تكاليف باهظة طويلة مديدة! تكاليف في إنسانية الإنسان ذاته، فهذه الإنسانية لا توجد والإنسان عبد للإنسان، وأي عبودية شر من خضوع الإنسان لما يُشرّعه له إنسان؟ وأي عبودية شر من تعلُق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به ورضاه أو غضبه عليه؟ وأي عبودية شر من أن يكون للإنسان خطام أو لجام يقوده منه كيف شاء إنسان آخر؟


إن عبادة الطواغيت عظيمة التكاليف في النفس والعرض والمال، ومهما تكُن تكاليف العبودية لله فهي أربح وأقوم حتى بميزان هذه الحياة، فضلاً عن وزنها في ميزان الله.


إن الحياة لا تستقيم ولا تصلُح إلا على أساس الإيمان بالله الواحد والعبودية للإله الواحد، وإن الأرض لتفسد حين لا تتمحَّض العبودية لله في حياة الناس. إن العبودية لله وحده معناها أن يكون للناس سيد واحد يتوجهون إليه بالعبادة وبالعبودية كذلك، ويخضعون لشريعته وحدها فتخلُص حياتُهم من الخضوع لأهواء البشر المُتقلّبة وشهوات البشر الصغيرة.


إن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة وبكل معاني الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)) سورة الأنفال.
2
وصية الله {6}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء. إن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة وبكل معاني الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)) سورة الأنفال.

إن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى النور، وإنها لنعمة أن يخرُج القلب من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده، فيخرُج من التيه والحيرة والضلالة إلى الطمأنينة والمعرفة والاستقرار والهدوء، ويخرُج من الدينونة المُذلة لشتى الأرباب إلى الدينونة الكريمة العزيزة لرب العباد (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)) سورة الحديد.


إن الإيمان هو كُبرى المنن التي يُنعم الله بها على عبد من عباده في الأرض، إنه أكبر من مّنة الوجود الذي يمنحهُ الله ابتداء لهذا العبد وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع.

إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت تعرض الإسلام في صورته النهائية الأخيرة ليكون دينَ البشرية كُلِّها، ولتكون شريعتُه هي شريعة الناس جميعاً، ولتُهيمنَ على كل ما كان قبلها لتكون هي المرجعَ النهائي ولتُقيمَ منهج الله للحياة البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

إن الإنسان ليعجب كيف ساغ لمسلم يدّعي الإسلام أن يترك شريعة الله كُلَّها بدعوى الملابسات والظروف! وكيف ساغ له أن يظل يدّعي الإسلام بعد هذا الترك الكُلي لشريعة الله! وكيف لا يزال الناس يُسمّون أنفسهم مُسلمين وقد خلعوا ربقة الإسلام من رقابهم، وهُم يخلعون شريعة الله كُلها ويرفضون الإقرار له بالألوهية في صورة رفضهم الإقرار بشريعته وبصلاحية هذه الشريعة في جميع المُلابسات والظروف وبضرورة تطبيقها كُلها في جميع المُلابسات والظروف؟!! (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)) سورة المائدة.
👍2
وصية الله {7}


يقول الله عز وجل {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...} [الأنعام: 151]


إن الشرك في الاعتقاد كالشرك في الحاكمية سواء، فلا بد من دعوة تُخرج الناسَ من الموت الراكد إلى الحياة المتفتحة ومن الدينونة للعباد إلى الدينونة لله وحده بلا شريك واستنقاذ كرامتِهم وطاقتَهم من الذل والتبديد في الدينونة للعبيد؛ الذل الذي يحني هامةَ الإنسان لعبد مثلِه.


القرآن الكريم هو كتاب هذه الدعوة، هو روحها وباعثها، هو قوامها وكيانها، هو حارثها وراعيها، هو بيانها وترجمانها، هو دستورها ومنهجها، وهو في النهاية المرجع الذي يستمد منه الدعاةُ وسائل العمل ومناهجَ الحركة وزادَ الطريق (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)) سورة النحل.

إن هذا القرآن يجهله أهله اليوم، لأنهم لا يعرفونه إلا تراتيل وترانيم وتعاويذ وتهاويم بعدما صرفتهم عنه قرون من الكيد اللئيم ومن الجهل المزري ومن الفساد الشامل للفكر والقلب والواقع النكد الخبيث. لقد وقف أعداء هذا القرآن جيلاً بعد جيل يدرُسون هذا الدين دراسة عميقة يُنقبون عن أسرار قوته وعن مداخله إلى النفوس ويبحثون كيف يستطيعون أن يُفسدوا القوة الموجِّهة في هذا الدين وكيف يُحرّفون الكلم عن مواضعه وكيف يُحوِّلون هذا الدين من حركة دافعة تُحطم الباطل وتسترد سلطان الله إلى حركةٍ ثقافيةٍ باردةٍ وإلى بحوثٍ نظريةٍ ميتة وإلى جدلٍ فقهي أو طائفي فارغ. 

وهذا القرآن هو كتابُ الله وحده وكتاب هذه الدعوة، وهو النور والروح الذي إذا دخل إلى القلب الميت أحياه، وإذا لامس النفس الإنسانية الساهية الغافلة أيقظها. ولو أن هذه الملايين التي تدَّعي الإسلام تيقَّظ فيها معنى الحياة التي يقذف بها القرآن في نفوس أتباعه، ما كانت حالُهم تظلُ على ما هي عليه الآن من ضعف وذل واستكانة.
👍2
التشريع في الحياة البشرية {1}


﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.. ﴾ [سورة الشورى: 21].


إن الحياة البشرية إن هي إلا ترس صغير في عجلة هذا الكون الكبير، فينبغي أن يحكمها تشريع يتمشى مع تلك النواميس، ولا يتحقق هذا إلا حين يُشرع لهذا المحيطُ بتلك النواميس، وكل من عدا الله قاصر عن تلك الإحاطة بلا جدال، فلا يؤتمن على التشريع لحياة البشر مع ذلك القصور، ومع وضوح هذه الحقيقة إلى حد البداهة؛ يجادل الكثيرون فيها أو لا يقتنعون بها وهم يجرؤون على استمداد التشريع من غير ما شرّع الله زاعمين أنهم يختارون الخير لشعوبهم ويوائمون بين ظروفهم والتشريع الذي يُنشئونه من عند أنفسهم كأنما هُم أعلم من الله وأحكم من الله أو كأنما لهم شركاء من دون الله يُشرّعون لهم ما لم يأذن به الله، وليس أخيب من ذلك ولا أجرأ على الله.


لقد شرع الله للبشرية ما يعلم سُبحانه أنه يتناسق مع طبيعتها وفطرتها ومن ثم يحقق لهذه البشرية أقصى درجات التعاوُن فيما بينها والتعاوُن كذلك مع القوى الكونية الكُبرى، شرّع في هذا كله أصولاً وترك للبشر فقط استنباط التشريعات الجزئية المتجددة مع حاجات الحياة في حدود المنهج الكلي والتشريعات العامة، فإذا ما اختلف البشر في شيء من هذا ردوه إلى الله ورجعوا به إلى تلك الأصول الكُلية التي شرَعها للناس لتبقى ميزاناً يزن به البشر كلَّ تشريع جزئي وكل تطبيق، بذلك يتوحّد مصدر التشريع ويكون الحُكم لله وحده -وهو خيرُ الحاكمين-، وما عدا هذا المنهج هو خروج على شريعة الله وعلى دين الله، لذلك لا بُد من الأمر بالمعروف الأكبر وهو الاعتراف بسلطان الله ومنهجه للحياة، والنهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة، وبعد إقامة الأساس يمكن أن يُقام البنيان. فلتُوَفُّر الجهود المبعثرة إذن ولتُحشد كلها في جبهة واحدة لإقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان.


إن الإنسان ليرثي أحياناً ويعجب لأُناس طيبين ينفقون جُهدهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفروع بينما الأصل الذي تقوم عليه حياة المجتمع ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقطوع، فما غناء أن تنهى الناس عن أكل الحرام مثلاً في مجتمع يقوم اقتصاده كُله على الربا فيستحيل ماله كله حراماً ولا يملك فرد أن يأكل من حلال لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة؟
👍2
التشريع في الحياة البشرية {2}


﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.. ﴾ [سورة الشورى: 21].


إن الذين يحكمون على عابد الوثن ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك، ويتحرّجون من هذه ولا يتحرّجون من تلك؛ إنّ هؤلاء لا يقرؤون القرآن ولا يعرفون طبيعة هذا الدين فليقرؤوا القرآن كُله وليأخذوا قول الله بجد ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾، وإن بعض هؤلاء المتحمسيّن الغيورين على هذا الدين يضرون بهذا الدين من حيث لا يشعرون، بل يطعنونه الطعنة النجلاء بمثل هذه الاهتمامات الجانبية الهزيلة، إنهم يفرٌغون الطاقات العقيدية الباقية في نفوس الناس في هذه الاهتمامات الجانبية الهزيلة، إنهم يؤدون شهادة ضمنية لهذه الأوضاع الجاهلية؛ شهادة بأن هذا الدين قائم فيها لا ينقُصه ليكمل إلا أن تُصحح هذه المخالفات، بينما الدين كُله متوقف عن الوجود أصلاً ما دام لا يتمثل في واقع يحكمه الله وحده دون سواه.
2
التشريع في الحياة البشرية {3}


﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.. ﴾ [سورة الشورى: 21].


إن المعركة الحقيقية التي خاضها الإسلام ليُقرر وجودَه لم تكن هي المعركة مع الإلحاد حتى يكون مُجرد التديُن هو ما يسعى إليه المتحمسّون لهذا الدين، ولم تكُن هي المعركة مع الفساد الاجتماعي أو الفساد الأخلاقي، إنما هي معارك تالية لمعركة وجود هذا الدين، لقد كانت المعركة الأولى التي خاضها الإسلام ليُقرر وجوده هي معركة العقيدة ومن ضمنها لمن تكون الحاكمية في كل حياة البشر، لذلك خاضها وهو في مكة، خاضها وهو ينشئ العقيدة ولا يتعرض للنظام والشريعة، خاضها ليُثبت في الضمير أن الحاكمية لله وحده لا يدّعيها لنفسه مسلم، ولا يُقره على هذا الادعاء مسلم. فلما أن رسخت هذه العقيدة في نفوس العصبة المُسلمة في مكة تَيسَّر لهم مزاولتها الواقعية في المدينة. فلينظر المتحمسون لهذا الدين ما هُم فيه وليفكروا فيما يجب أن يكون بعد أن يدركوا المفهوم الحقيقي لهذا الدين. وهكذا التبس مفهوم الدين على كثير من المسلمين حتى ارتدوا عن دينهم وهم لا يشعرون ﴿لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾، وهكذا تمت الزحزحة عن هذا الدين فأصبح ملتبساً غامضاً لا يقف الناس منه على تصور واضح.
👍2
إن الإسلام ليس فقط مجموعة إرشادات ومواعظ، ولا مجموعة آداب وأخلاق، ولا مجموعة شرائع وقوانين، ولا مجموعة أوضاع وتقاليد؛ إنه يشمل هذا كله، ولكن هذا كله ليس هو الإسلام، إنما الإسلام هو الاستسلام لمشيئة الله وقدره والاستعداد ابتداء لطاعة أمره ونهيه ولاتباع المنهج الذي يُقرره دون التفلت إلى أي توجيه آخر أو إلى أي اتجاه آخر، ودون اعتماد كذلك على سواه. وهو الشعور بأن البشر في هذه الأرض خاضعون للناموس الإلهي الذي يُصرِّفهم ويصَرِّف الأرض كما يصرف الكواكب والأفلاك، ويُدبر أمر الوجودِ كلِه ما خفي منه وما ظهر وما غاب عنه وما حضر، وما تُدركه منه العقول وما يقصر عنه إدراك البشر. وهو اليقين بأنه ليس لهم من الأمر شيء إلا اتباع ما يأمرهم به الله والانتهاء عما ينهاهم عنه والأخذ بالأسباب التي يسَّرها لهم وارتقاب النتائج التي يُقدِّرها الله.

فالاستسلام لله سبحانه هو القاعدة، ثم تقوم على هذه القاعدة جميع الشرائع والقوانين والتقاليد والأوضاع والآداب والأخلاق بوصفها الترجمة العملية لمُقتضيات العقيدة المستكنة في الضمير، والآثار الواقعية لاستسلام النفس لله والسير على منهجه في الحياة. إن الإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة يقوم على هذه الشريعة نظام، وهذه الثلاثة مُجتمعة مُترابطة مُتفاعلة هي الإسلام.
👍2
إنَّ معنى الإسلام هو الخضوع لله وحده والتحاكُم إلى كتابه وطاعته واتباع أمره، ومن لم يفهم الاسلام ويطبقه بهذا المعنى فليس له نصيب في دين الله وليس مُسلماً وإن ادعى الإسلام وزعم أنه في دين الله، وإنَّ الذي يُحدد ويُقرر ويُفسر دين الله "الإسلام" هو الله سبحانه وتعالى وحده، فالإسلام لا يخضع في تعريفه وتحديده لأهواء البشر كلٌّ يُعرّفه أو يُحدّده كما يشاء.
👍2
لا بُد لكل من يُريد أن يكون مؤمناً حقاً وعابداً موحداً لله سُبحانه أن يتبين حقيقة التوحيد كما أرادها الله سُبحانه وتعالى وبينّها في قرآنه الكريم، لا بُد لمن يُريد أن يكون مُسلماً أن يفهم معنى "لا إله إلا الله" كما أعلنها كل نبي لأمته وكما حملها محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين كافة.
👍2
إن الناس ليسوا هُم الحَكَم في الحق والباطل، وليس الذي يُقرره الناس هو الحق، وليس الذي يُقرره الناس هو الدين. إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس "لشيء" وقولهم "لشيء" وإقامة حياتهم على "شيء" لا تجعل هذا "الشيء" حقاً إذا كان مُخالفاً للكتاب، ولا تجعله أصلاً من أصول الدين، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين، ولا تُبرره لأن أجيالاً مُتعاقبة قامت عليه.


إن دين الله يُحدده ويُقرره ويُفسره الله، وليس خاضعاً في تعريفه وتحديده لأهواء البشر، كُلُ يُحدده ويُعرِفهُ كما يشاء.

إن الإيمان بالله معناه إفراده سُبحانه بالألوهية والربوبية والعبادة، ومن ثم إفراده بالسيادة على ضمير الإنسان وسلوكه في كل أمر من أمور الحياة.
👍2
قال الله تعالى:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [سورة المائدة: 12].

إنه الإيمان برسل الله كلهم دون تفرقة بينهم فكلهم جاء من عند الله وكلهم جاء بدين الله، وعدم الإيمان بواحد منهم هو كفرٌ بهم جميعاً وكفرٌ بالله الذي بعثهم جميعاً.

وليس الإيمان بهؤلاء الرسل الكرام هو مُجرد الإيمان السلبي، إنما هو العمل الإيجابي في نُصرة هؤلاء الرُسل وشدّ أزرهم فيما ندبهم الله له، وفيما وقفوا حياتهم كلها لأدائه. فالإيمان بدين الله من مُقتضاه أن ينهض المؤمن لينصُر ما آمن به وليُقيمه في الأرض وليُحققه في حياة الناس. فدين الله ليس مُجرد تصور اعتقادي ولا مُجرد شعائر تعبُدية، إنما هو منهج واقعي للحياة ونظام مُحدد يصرف شئون هذه الحياة، والمنهج والنظام في حاجة إلى نُصرة وتعزيز وإلى جُهد لتحقيقه ولحمايته بعد تحقيقه، وإلا فما وفّى المؤمن بالميثاق.
👍2
قال الله تعالى: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم..﴾ [البقرة: 255]

إن التوحيد الخالص الناصع هو مفرق الطريق بين عقيدة المُسلم وسائر العقائد سواء منها عقائد المُلحدين والمُشركين وعقائد أهل الكتاب المُنحرفين يهوداً أو نصارى على اختلاف مللهم ونِحلهم جميعاً، كما أنه وهو كذلك مفرق الطريق بين حياة المُسلم وحياة سائر أهل العقائد في الأرض. فالعقيدة هُنا تُحدد منهج الحياة ونظامها تحديداً كاملاً دقيقاً.


إن الوحدانية هي مفرق الطريق في التصور والاعتقاد، كذلك كانت مفرق الطريق في الحياة والسلوك. إن الذي يمتلأ شعوره بوجود الله الواحد الحي القيوم -الذي لا إله إلا هو والذي به تقوم الحياة كلها والوجود كله والذي يقوم عليه كل حي وكل موجود- لا بُد أن يختلف منهج حياته ونظامها من الأساس عن الذي تُغيم في حسه تلك التصورات التائهة المنحرفة فلا يجد في ضميره أثراً لحقيقة الألوهية الفاعلة والمُتصرفة في حياته.
👍2
إننا نجد في القرآن أن الله سُبحانه لا يُعلّم المُسلمين العبادات والشعائر فحسب، ولا يُعلِمّهم الآداب والأخلاق فحسب كما يتصور الناس عن الدين ذلك التصور -القاصر-، إنما هو يأخُذ حياتهم كُلها جُملة واحدة ويفصّل في كل ما تتعرض له حياتهم من مُلابسات واقعية وفق منهجه القويم، ولا يُقبَلُ من الفرد المُسلم ولا من المُجتمع المُسلم أقل من أن تكون حياته بجُملتها من صُنع هذا المنهج، ووِفق تصرّفه وتوجيهه. وعلى وجه التحديد لا يُقبل من الفرد المُسلم ولا من المُجتمع المُسلم أن يجعل لحياته مناهج مُتعددة المصادر؛ منهجاً للحياة الشخصية وللشعائر والعبادات والأخلاق والآداب مُستمداً من كتاب الله، ومنهجاً للمُعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية مُستمداً من كتاب أحد آخر أو من أي تفكير بشري على الإطلاق!


إن مُهمة التفكير البشري أن يستنبط من كتاب الله ومنهجه أحكاماً تفصيلية تطبيقية لأحداث الحياة المُتجددة وأقضيتها المتطورة، ولا شيء وراء ذلك، وإلا فلا إيمان أصلاً ولا إسلام، لأن الذين يتخذون مناهج مختلفة لحياتهم لم يدخلوا بعدُ في الإيمان ولم يعترفوا بعد بأركان الإسلام وفي أولها شهادة أن لا إله إلا الله التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ولا مُشّرع إلا الله.


إن الكُفر بآيات الله -سواء بإنكارها أصلاً أو عدم الاحتكام إليها وتنفيذها في واقع الحياة- تُنزِل سخط الله وغضبه. وهذا التعدد في المناهج هو الذي عليه اليوم البقايا الشاردة في الأرض من ذراري المُسلمين الذين يُسمّون أنفسهُم بغير حق مُسلمين! هذه هي المؤهلات التي يتقدمون بها إلى ربهم اليوم فينالون عليها غضب الله من الهزيمة والمذلة والمسكنة، فإذا قال أحدُهم: لماذا نُغلب في الأرض ونحنُ مُسلمون؟ فلينظُر قبل أن يقولها ما هو الإسلام؟ ومن هُم المُسلمون؟


ونحنُ نُكرر هذا المعنى ونؤكده لأن طول عُزلة الإسلام عن أن يحكُم الحياة -كما هو شأنه وحقيقته- قد جعل معنى عبارة "لا إله إلا الله" تتقلّص ظلالها عن مدى الحقيقة التي تُعنيها في القرآن الكريم وفي هذا الدين، ولقد جعل كلمة "الحلال" وكلمة "الحرام" يتقلّص ظلها في حِس الناس حتى عاد لا يتجاوز ذبيحة تُذبح أو طعاماً يؤكل أو شراباً يُشرب ليروا حلال هي أم حرام! فأمّا الأمور العامة والشؤون الكبيرة فهُم يستفتون في شأنها النظريات والدساتير والقوانين التي استُبدِلت بشريعة الله! فالنظام الاجتماعي بجُملته والنظام السياسي بجُملته والنظام الدولي بجُملته وكافة اختصاصات الله في الأرض وفي حياة الناس لم تعُد مما يحكم فيه الإسلام.


إن الإسلام منهج للحياة كلها، من اتبعهُ فهو مؤمن وفي دين الله، ومن اتبع غيره -ولو في حُكم واحد فقط- رفض الإيمان واعتدى على خصائص ألوهية الله وخرج من دين الله، مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مُسلم، فاتباعه شريعة غير شريعة الله يُكذّب زعمه ويدمغهُ بالخروج من دين الله، وهذه هي القضية الكُلية التي تُعنيها نصوص قُرآنية كثيرة وتجعلها قضية الإيمان بالله أو عدم الإيمان به. فهذا هو منهج القرآن في بيان جدية معنى الألوهية ومعنى الإيمان.
2